الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء محمد على بغداد. قد ذكرنا استيلاء محمد على همذان في آخر ذي الحجة من سنة أربع وتسعين ومعه أخوه سنجر وذهب بركيارق إلى بغداد فاستولى عليها وأساء السيرة بها وبلغ الخبر إلى محمد فسار من همذان في عشرة آلاف فارس ولقيه بحلوان أبو الغازي بن أرتق شحنته ببغداد في عساكره وأتباعه وكان بركيارق في شدة من المرض قد أشرف على الهلاك فاضطرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي حتى إذا وصل محمد بغداد وترآى الجمعان من عدوتي دجلة ذهب بركيارق وأصحابه إلى واسط ودخل محمد بغداد وجاءه توقيع المستظهر بالانتقاض مما وقع به بركيارق وخطب له على منابر بغداد وجاءه صدقة بن منصور صاحب الحلة فأخرج الناس للقائه ونزل سنجر بدار كوهرابين واستوزر محمد بعد مؤيد الملك خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين فقدم إليه في المحرم سنة خمس وتسعين انتهى..المصاف الثالث والرابع وما تخلل بينهما من الصلح ولم يتم. ثم ارتحل السلطان وأخوه سنجر عن بغداد منتصف المحرم من سنة خمس وتسعين وقصد سنجر خراسان ومحمد همذان فاعترض بركيارق خاص الخليفة المستظهر وأبلغه القبيح فاستدعى المستظهر محمدا لقتال بركيارق فجاء إليه وقال: أنا أكفيكه ورتب أبا المعالي شحنة ببغداد وكان بركيارق بواسط كما قلنا فلما أبل من مرضه عبر إلى الجانب الشرقي بعد جهد وصعوبة لفرار الناس من واسط لسوء سيرتهم ثم سار إلى بلاد بني برسق حتى أطاعوا واستقاموا وساروا معه فاتبع أخاه محمدا إلى نهاوند وتصافوا يومين ومنعهما شدة البرد من القتال ثم اجتمع أياز والوزير الأغر من عسكر بركيارق وبلد أجى وغيرهم من الأمراء من عسكر محمد تفاوضوا في شكوى ما نزل بهم من هذه الفتنة ثم اتفقوا على أن تكون السلطنة بالعراق لبركيارق ويكون لمحمد من البلاد الحيرة وأعمالها وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل على أن يمده بركيارق بالعسكر متى احتاج إليه على من يمتنع عليه منها وتحالفا على ذلك وافترقا في ربيع الأول سنة خمس وتسعين ثم سار بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى قزوين وبدا له في الصلح واتهم الأمراء الذين سعوا فيه وأسر إلى رئيس قزوين أن يدعوهم إلى صنيع عنده وغدر بهم محمد فقتل بعضا وسمل بعضا وأظهر الفتنة وكان الأمير ينال بن أنوش تكين قد فارق بركيارق وأقام مجاهدا للباطنية في الجبال والقلاع فلقي محمدا وسار معه إلى الري وبلغ الخبر إلى بركيارق فأغذ إليه السير في ثمان ليال واصطفوا في التاسع وكلا الفريقين في عشرة آلاف مقاتل وحمل سرخاب بن كنجسر والديلمي صاحب آوة ومن أصحاب بركيارق على ينال بن أنوش تكين فهزمه وانهزم معه عسكر محمد وافترقوا فلحق فريق بطبرستان وآخر بقزوين ولحق بأصبهان في سبعين فارسا واتبعه أياز وألبكي بن برسق فنجا إلى البلد وبها نوابه فلم ما تشعث من السور وكان من بناء علاء الدين بن كاكويه سنة تسع وعشرين لقتال طغرلبك وحفر الخنادق وأبعد مهواها وأجرى فيها المياه ونصب المجانيق واستعد للحصار وجاء بركيارق في جمادى ومعه خمسة عشر ألف فارس ومائة ألف من الرجل والأتباع فحاصرها حتى جهدهم الحصار وعدمت الأقوات والعلوفة فخرج محمد عن البلد في عيد الأضحى من سنته في مائة وخمسين فارسا ومعه ينال ونزل في الأمراء وبعث بركيارق في اتباعه الأمير أياز وكانت خيل محمد ضامرة من الجوع فالتفت إلى أياز يذكره العهود فرجع عنه بعد أن نهب منه خيلا ومالا وأخذ علمه وجنده وعاد إلى بركيارق ثم شد بركيارق في حصار أصبهان وزحف بالسلاليم والذبابات وجمع الأيدي على الخندق فطمه وتعلق الناس بالسور فاستمات أهل البلد ودفعوهم وعلم بركيارق امتناعها فرحل عنها ثامن عشر ذي الحجة وجمر عسكرا مع ابنه ملكشاه وترشك الصوالي على البلد القديم الذي يسمى شهرستان وسار إلى همذان بعد أن كان قتل على أصبهان وزيره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني اعترضه في ركوبه من خيمته إلى خدمة السلطان متظلم فطعنه وأشواه ورجع إلى خيمته فمات وذهب للتجار الذين كانوا يعاملونه أموال عظيمة لأن الجباية كانت ضاقت بالفتن فاحتاج إلى الاستدانة ونفر منه التجار لذلك ثم عامله بعضهم فذهب ما لهم بموته وكان أخوه العميد المهذب أبو محمد قد سار إلى بغداد لينوب عنه حين عقد الأمراء الصلح بن بركيارق ومحمد فقبض عليه الشحنة ببغداد أبو الغازي بن أرتق وكان على طاعة محمد.
|